أوضح أحمد داود أوغلو أن الجمعية العامة للأمم المتحدة تستعد لعقد دورتها الثمانين في نيويورك الأسبوع المقبل، حيث يجتمع قادة العالم بوصفهم أوصياء على الضمير الإنساني المشترك. وأوجّه إليكم بصفتي زميلاً سابقاً وقف في تلك القاعات والممرات مناشدة عاجلة وصادقة للتحرك.

يواجه أكثر من مليوني إنسان في غزة كارثة تفوق حدود الإنسانية؛ عشرات الآلاف قُتلوا معظمهم من النساء والأطفال، والمستشفيات والمدارس والملاجئ تحولت إلى أنقاض، بينما يُمنع الغذاء والدواء والماء عمداً. وأكدت لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة أن إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية في غزة، ما يجعل المأساة اختباراً أخلاقياً للأمم المتحدة ويهدد شرعيتها وبقاءها.

يشير الكاتب في مقال نشره ميدل إيست آي إلى أن عجز مجلس الأمن، الواقع في أسر الصراع بين القوى الخمس الكبرى، جعل دور الجمعية العامة أكثر أهمية من أي وقت مضى. فباعتبارها الممثل الأوسع للإرادة الإنسانية، يجب أن تتحرك خارج ظل المجلس كي تحافظ على كرامة المنظمة ومصداقيتها وسلطتها.

تنعقد الجمعية هذا العام في لحظة فارقة؛ إذ تتعرض مبادئ الأمم المتحدة المؤسسة مثل الكرامة الإنسانية والمساواة والسيادة للأمم لاعتداء غير مسبوق. ميثاق المنظمة يبدأ بتعهد صريح: "نحن شعوب الأمم المتحدة، عازمون على إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب". لكن هذا التعهد يُنتهك اليوم بشكل فاضح.

وصف داود أوغلو مأساة غزة بأنها "انهيار أخلاقي" يحدث أمام أعين العالم. وفي الوقت ذاته تتصاعد نزعة خطيرة نحو تمجيد الحرب؛ فقد أعادت الولايات المتحدة تسمية وزارة الدفاع إلى "وزارة الحرب"، في إشارة تزيل قناع الدفاع لتكشف نزعة عدوانية صريحة. ويذكّر الكاتب بأن القوى الكبرى سبقت إلى تمجيد الحرب قبل الحرب العالمية الثانية، وهو ما قاد إلى كارثة كونية.

هذا التحول يعزز اندفاع إسرائيل في هجماتها المتواصلة، ليس في غزة والضفة وحدهما، بل في لبنان وسوريا واليمن وإيران وحتى قطر، غالباً بموافقة أمريكية مباشرة أو ضمنية، ما ينذر بانفجار إقليمي واسع يهدد الاستقرار الدولي برمته.

يرى داود أوغلو أن شرعية الأمم المتحدة قامت على ثلاثة أعمدة: المساواة في السيادة، الكرامة الإنسانية، والمسؤولية الجماعية عن حفظ السلم. لكن هذه المبادئ تتعرض الآن لهجوم مباشر. فقد رفضت الولايات المتحدة منح تأشيرات للرئيس الفلسطيني محمود عباس ووفده، مانعة مشاركتهم في أعمال الجمعية العامة، وهو خرق لاتفاقية مقر الأمم المتحدة لعام 1947.

كما أن تكرار استخدام الفيتو داخل مجلس الأمن شلّ قدرة المنظمة، ورسّخ صورة الانحياز. ويذكّر الكاتب بأن عصبة الأمم انهارت حين عجزت عن مواجهة عدوان اليابان في منشوريا 1931، وإيطاليا في الحبشة 1935، وألمانيا في تشيكوسلوفاكيا 1938، فكانت النتيجة حرباً عالمية جديدة.

يستحضر الكاتب واقعة عام 1988 حين رفضت واشنطن منح ياسر عرفات تأشيرة لإلقاء خطابه أمام الجمعية العامة. آنذاك نقلت الأمم المتحدة الجلسة إلى جنيف حيث ألقى عرفات كلمته، ما جسّد استقلالية المنظمة ورفضها الخضوع لضغوط الدولة المضيفة. ويؤكد داود أوغلو أن مثل هذا القرار الجريء مطلوب اليوم إذا استمر منع الوفد الفلسطيني من المشاركة.

يدعو داود أوغلو إلى اتخاذ إجراءات عملية تشمل عقد جلسة استثنائية طارئة بموجب صيغة "الاتحاد من أجل السلام" لتجاوز شلل مجلس الأمن، وإنشاء ممر إنساني بإشراف الأمم المتحدة لضمان تدفق الغذاء والدواء والمياه إلى غزة، وتأمين الحماية للقوافل الطبية والمبادرات المدنية في البحر مثل أسطول "صمود". كما شدد على دعم التحقيقات المستقلة في الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني، بما يتيح للمحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية محاسبة مرتكبي الجرائم دون تأجيل.

وأعرب عن أمله في أن تتحمل رئيسة الدورة الجديدة للجمعية العامة، أنالينا بيربوك، مسؤولياتها التاريخية، مشيراً إلى أن العالم سيحكم على الأمم المتحدة لا بكلماتها بل بأفعالها.

يختم داود أوغلو نداءه قائلاً: إن المأساة الإنسانية في غزة وتآكل المعايير الدولية يشكلان تحدياً وجودياً لإنسانيتنا المشتركة. وإذا فشلت الأمم المتحدة في التحرك، فإنها ستضاعف معاناة المدنيين وتمهّد لانهيار النظام العالمي الذي تأسست لحمايته. ويضيف: "غزة لا تستطيع الانتظار، والإنسانية لا تستطيع الانتظار، والتاريخ لن يغفر التأخير".

https://www.middleeasteye.net/opinion/call-world-leaders-act-urgently-gaza-or-risk-collapse